فلســـــــطين العروس ومهرها استشهادي

أنا الشهيد

أنا صرخة نسيها الزمن ورددتها السنين

أنا طلقة أطلقت منذ ملايين السنين

وسهم يسير على مدى الدهور وعلى طول المدى

أنا صرخة اليأس ويأس الصراخ

أنا صراع الحضارة وحضارة الصراع

أنا الإنسان بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى

أنا الذي سطر المجد أكاليل الغار على جبيني عبر الأيام

أنا صرخة الحق المدوية في الزمن الرديء

أنا ضمير أمتي الحي ونفسها الحر الزكي

أنا إنسان عرف للعز طريقه وللمجد سبيله

أنا جد الحضارة وأبو الدنيا وابن الحياة وحفيد الموت

أنا الذي لا يرضى الضيم له أو لأبناء أمته على تعاقب الأيام والأزمان

أنا الذي تركت مختارا هذه الدنيا الفانية لكلاب تتهافت فيها على سقط المتاع وعلى بقايا عظام عفنة ولم أرضى سوى بنصيب الأسد الهصور

أنا حر يا بني أمتي وأنتم عبيد شهواتكم ونزواتكم وأطماعكم

أنا الإنسان الوحيد بين كومة جيف تسير على حمالة الجيف ونظيرة الكواكب

أنا الذي اخترت الموت جوارا والقبر أنيسا أسكنت روحي في بهاء الكون الفسيح

أنا الذي اخترت وحوش الأديم خلان وأصدقاء وحجارة الأرض أخوة وأشقاء

أنا الوحيد بينكم يا بني أمتي الذي وعى حقارة الدنيا ودناءتها وأنتم بجهلكم تقدمون لها القرابين وتذبحون لها السبايا

أنا رجل فهم معنى الرجولة ومعنى الإباء فلم أجامل الأعداء ولم أقبل أقدامهم ولم أذرف دموعي على موتاهم كذبا ورياء

بل سطرت بمآثراتي وبطولاتي العز وأحييت بكرامتي وعنفواني مجد أمتي التليد وتاريخ حضارتي الغابر

فلا تحزني يا حبيبتي يا شقيقة الشمس وشبيهة القمر وسلي عني رجاء

ولا تسكبي علي دموعك الغالية فالدموع لا تسكب لمن أختار الجنة مأوى والملائكة والشهداء والصديقين جوار

أنا استشهدت من أجلك يا حبيبتي ومن أجل كل أمتي استشهدت

من أجل أن تبقي درة حرة في بيتك وسيدة كريمة في ربوع بلادك

أنا استشهدت كي تبقى سواقينا تخر دون أغلال وتدور نواعيرنا دون قيود ولتظل امطارنا تهطل لغسل الخطايا والأثام من قلوب البشر ولكي تظل ضحكة أطفالنا مرتسمة على أفواههم

قلت لك رجاء لا تبكي فدموعك تقتل أجزائي والدموع تكون للمذنبين

ولا تؤثر إلا بالضعفاء وعهدي بك قوية أماه يا شقيقة الشمس بعزها

وشبيهة القمر بضيائها ولكن مع هذا وذاك اذرفي قليلا من الدمع

لأن من يغتسل بدموعه الطاهرة يظل نقيا أمد الدهور وأقول لك

أنا من أستشهد كي تنزاح الغيوم السوداء العاقرة عن جبالنا وينقشع الضباب الرمادي عن تلالنا ولكي يزهر المرج في سهولنا

أنا الذي أختار رحابة الموت على ضيق الحياة ويكفيني من رحابة الموت أني شهيد

فيا أخواني ويا رفاق الصبا اتركوني بثيابي ودمائي في ظل هذه السنديانة العتيقة

دعوني ليلثمني الليل وتقبلني الشمس ويبكيني القمر وأسلا بالكواكب فالحر لا يرضى دون الشمس جوارا ولا دون النجوم مرتبة

اتركوني أسكن في بطون السباع وفي قوانص الجوارح فالسباع لا تأكل إلا الكريم والجوارح مثلي لا تضام ولا تضم أجنحتها طالما هناك قمم لم تصلها بعد

اتركوني ليروي دمي طهر أرض بلادي كلها ذرة ذرة وشبرا شبرا

فالأرض لا تزهر بالمطر بل بحشرجة الأبطال والوردة الحمراء لاتنمو بالماء بل بالدماء
ولا تسلوني من أنا وماذا أكون

أنا زمجرة البحر ساعة العاصفة وصوت البرق في أعالي الفضاء

أنا دمعة السماء السخية وقت المطر وابتسامة الحقل عند مرارة الأيام أنا دليل الحب في زمن الكراهية
أنا خمرة النفس عند تمام النشوة

أنا تنهيدة من بحر العواطف المتحجرة ودمعة في سماء الفكر المتأني وضحكة من حقول النفس اليائسة من الحياة

أنا الشهيد........
أنا وحي البطولة ووحي الشعراء ووحي الفرح

أنا من ينظر دائما إلى السماء لأن من ينظر إلى الأرض لا يرى سوى الأشواك وهذا مالم يتعلمه بني أمتي بعد

أنا كنت من عهد آدم وهاأنذا وستبقى صرختي إلى أخر الدهر وسيظل دويها يعج أذان النائمين في وطني ويزلزلهم في رقادهم علهم يستيقظوا من رقادهم الطويل الذي طال لمئات السنين
ستظل صرختي يرددها الجبل وترجع صداها الصخور إلى أن تزال تلال الرماد عن عيون أمتي

فأنا اخترت أن أموت بصمت يملأ الدنيا ضجيج