~ غُــــــــربـــــــة ~

في مساء الشوق العائد إليّ, محملا بلفحات من العطر والياسمين الذي يحتلّني, ويحتل انفاسي من رائحة عطرك... يصبح جلّ ما أتمنّاه أن أترجم هذا الشّوق بعد فترة من الغياب فلا أجد قاموسا يخدم أشواقي ولهفتي لك... فيعتريني صوتي, وتهرب كلماتي ومفردات اللغة العربية لا تسعفني, بل تزيد من همي هما اخر...بقوة اريد ان اصرخ... وكم احتاجك... واودّ لو تتاح لي الفرصة, ان أبكي شوقا وهجرانا... لكنني لا استطيع, تقف الدّمعة على باب قلبي, فلا تصل الى مدمع عيوني, فيتعبني قلبي وتتعبني عيوني...يبدو انني قد فقدت فن الدمع, كما فقدت فن الاحتفاظ بكثير من صمتي, امام عظمة لهفتي...لا اريد البكاء حبّا مني في رؤية الدمع, انما لروعة تلك الدّموع, لأنها سالت فقط لك...أنحني بكبرياء انثى, امام شوقي ولهفتي, كما الياسمين الذي يتدلّى من دوالي وزوايا ضيعتي, وكما الشّجر في وجه العواصف, أنحني لرجل لا تبكي عينيه, ولكن قلبه يبكي,لصدفة مرّت في عالمي, كالعمر لا تتكرّر...انحني, وانكسر... وكم أعشق انكساري وانحنائي فقط لأنه أمامك...كم وددت أن اتكلّم كثيرا, حين رأت عيوني حقائب سفرك... وكم كان في ذهني الكثير من الكلمات, لكنّه صمتي, صمتي المتكلّم, الذي أرسل اليك ما أردت البوح به, دون أن أنطق بكلمة واحدة...أمام كلّ ذلك, ما زلت أبحث عن الأمان بعد أن فقدت الامان... ومازلت أبحث عن المعنى لحياتي, بعد ان فقدت المعنى في الانتظار, الذي ملّني ولم أملّه يوما...هناك... أنت لا وطن لك, ولا بيت في غربة اهل وعاطفة وروح...وانا هنا في غربة شاملة في بلدي, اصعب و اقصى انواع الغربة...لا عاطفة, لا دار, ولا حتى وطن... أصيبت مشاعري في جفاف دائم, وتحول ربيع حياتي إلى شتاء مظلم وموحش...سأمضي في شوقي المضني لك, وشوقي الوارف لك, علّني رغم قهري, اعود محملة بفيض من الامل, بعد ان فقدت الكثير من الامل... وعلّني اعود لك بصدف من بحار ايامي, عسى ان تكون شطآنك, ميناء للكثير من احلامي...